هادي التونسي يكتب :خوليو إيجليسياس الفنان الشامل

الأحد، 16 فبراير 2025 08:42 م

هادي التونسي يكتب :خوليو إيجليسياس الفنان الشامل

هادي التونسي يكتب :خوليو إيجليسياس الفنان الشامل

من تألق و وسامة المغني، الي رومانسية الشاعر الحالم، الي توافق و شمولية الملحن، الي تنافسية لياقة لاعب الكرة، الي حكمة و رؤية و إقدام و مغامرة و مسئولية و حذر رجل الأعمال دارس للقانون، هي قدرات دافعة لظاهرة سادت فن الاغنية العالمي لأكثر من نصف قرن رغم ان صاحبها خوليو ايجليسياس اغلب اغانيه باللغات الاسبانية و الإيطالية و الفرنسية و البرتغالية و اقلها بالانجليزية، بل ان البدايات كانت اغاني بالإسبانية التي قليل من يفهمونها من المصريين و مع ذلك ألهبت مشاعر متابعيه حتي زار مصر في السبعينات ثم ادي تحت سفح الاهرامات منذ سنوات.

هو عادة الأكثر مبيعا للموسيقي اللاتينية و المغني العالمي الأكثر شعبية في الصين و البرازيل و فرنسا و المانيا و غيرها، فضلا عن المناصب الشرفية والجوائز و الأوسمة و الميداليات من المحافل الفنية العالمية الأكثر شهرة و من فرنسا و بلده أسبانيا.و فنه بالتالي يتعدي حواجز اللغة و تباين الثقافات و الأجناس و الدول، فهل يرجع ذلك الي كونه فنانا شاملا يؤلف و يلحن و يؤدي ، و بالتالي لتواجد تناغم بين الكلمة و النغم والأداء فحسب، بل أيضا لثراء شخصية رومانسية حكيمة عميقة أنيقة التعبير و راقية الاداء و الحس  قوية الارادة والتصميم و واقعية الادراك و التخطيط ؟

من تدابير القدر ان خوليو ايجليسياس الذي يعد أحد أفضل الفنانين مبيعا للتسجيلات الموسيقية كان لاعب كرة قدم محترف اثناء دراسته للقانون، لكنه اصيب في حادث سيارة عام ١٩٦٣ اعجزه عن السير عامين بعد تحطم فقرات الظهر السفلي و ضعف الساقين بما استلزم تأهيلا لسنوات، و يقول و قد تعدي الان الثمانين عن تلك السنوات ان ممرضة اعطته جيتارا ليدرب يداه بالعزف، فاكتشف موهبته الموسيقية و درس اللغات و اكمل دراسته الجامعية ، ثم فاز عام ١٩٦٨ بعد الحادث بخمس سنوات في مهرجان باسبانيا باغنية "ان الحياة تستمر كالمعتاد " لتروي تجربة شجاعته في اتخاذ القرار و تنفيذه مهما كانت مصائب الحياة و ضربات القدر، فوسط تقلبات الحياة علينا ان نعيش و نكافح، وفي دنيا زائلة لا يبقي من الفرد سوي اعماله. اما صدفة الجيتار فربما كانت هدية القدر لمن يستحق، رحمة من الخالق الذي يدبر من كل أزمة مخرجا لو فطنا اليه بعد ان يجعل في القلوب الطيبة دافعا لتقديمه.

هناك من يعتقدون ان الحياة تصيبنا بصدمة  واحدة قوية علي الأقل لنكتشف ذواتنا؛ لنتعلم بالألم البناء، فننضج و نقوي و نسعد و نصفو ،طالما اخذنا اختبارات الحياة كفرص للتعلم بدلا من اليأس و الشفقة علي الذات و شعور الضحية و التذمر، و يبدو ان خوليو ادرك ذلك ، و مضي بتصميم و ارادة فولاذية في مسيرة التألق، يلهم الناس بصدق و عمق كلمات اغانيه، و بصفاء روحه  البادية في جمال و توافق ألحانه ، مضي بثراء شخصيته و دروس معاناته مع الاصابة و رفاهة إحساسه و رومانسية مشاعره  و صدق تعبيره و ادائه  يصل الي اعماق حتي من لم يفهم لغاته في كافة أرجاء العالم. الرسالة تصل لانها بشمول عناصرها اقوي من ان تعتمد علي الكلمات، أقوي لان شاعرية كلماتها تستعيد فينا صفاء و صدقا و محبة افتقدناها في مادية و صراعات حقب عديدة، فهي تعيدنا الي احلا ما في انفسنا، الي احلامنا المتكسرة و امالنا المحبطة تجددها و تحييها، و لو لساعات، فتشحن الطاقة الدافعة في رحلة الحياة.

لا عجب ان يسفر ذلك التألق و التفرد حتي عام ٢٠١٣ عن اقامة خمسة الاف حفلة موسيقية شاهدها ستون مليون مشاهد في خمس قارات بأربع عشرة لغة و ان مبيعاته كانت مائة مليون تسجيلا، بعضها ثنائيا مع اشهر المغنيين . و بالتالي ان تشمل النتيجة ارفع الجوائز العالمية و الأوسمة بل اختارته فرنسا عام ١٩٨٩ سفيرا للفنون الأدائية بعد ان منحته وسام جوقة الشرف. و لك ان تتصور حجم الجهد و كم التفاني و مستوي القدرة علي التفكير و التواصل الذي أدّي الي ذلك النجاح. لكن مسيرة حياته تثبت ان الموهبة و الحظ ليسا وحدهما السبب بل ربما الاهم قوة و نضج شخصية ذلك الفنان الشامل التي تجاوزت بتميزها حواجز تباين الثقافات و اللغات و الأجناس ، فأسرت بعالميتها و توافقها و عمقها القلوب، فكان أفضل دعاية لبلده و ثقافتها و قوتها الناعمة بما جلب اليها فوائد في شتي المجالات.

د. هادي التونسي

طبيب و سفير بالمعاش

search