د. وسام باسندوه تكتب: في قضية عدم مصافحة الشرع للمرأة ودلالتها

الأحد، 05 يناير 2025 08:52 ص

الدكتورة وسام باسندوه

الدكتورة وسام باسندوه

حين نتحدث عن  قضية مصافحة الشرع للمرأة، من المهم ان نشير الى المسافة بين السياسية والثقافة والتي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار، لذا سنناقش القضية من وجهين، فحين يحتج البعض مبررا للشرع عدم مصافحته وزيرة خارجية ألمانيا، معللا ذلك بأنه جزء من عادتنا وتقاليدنا-ويقصد بها عاداته وتقاليده فهي عادات وتقاليد تمثل المتحدث ولاتمثل سوريا الحضارة بالضرورة ولا كل العرب والمسلمين- ويكمل المتحدث أن أمه وأخته وزوجته لايصافحون الذكور، فنذكره هنا أن الشرع ليس أمه وأخته وزوجته هذا مبدأيا لأن ربما أصابه خلط، ثم إن أمك وأختك وزوجتك خليهم بالبيت ولن يصافحهم أحد، أما الشرع فممكن تقيسه بأقل تقدير عليك كذكر لا على أمك وأختك وزوجتك. خاصة وأن بعض المحتجين بهذا الهراء زيادة في التطبيل هم من المثقفين والإعلاميين الذين لطالما استضافوا فنانات وصافحوهن على مرأى ومسمع من الملأ!

فأقلها قيس الرجل بمقياسك انت لا بمقياس أمك وأختك! ثانيا الرجل ليس شيخ قبيلة  ولاشيخ طريقة يمثل نفسه وقبيلته ليطبق أفكاره ومعتقداته بل يمثل سوريا بحضارتها وتنوعها، وبالاساس يمثل دولة.

ثم إن  كان الأمر مرتبط بالدين كما يحاولون ففي الدين نظرات وأحكام فقهية كثر تبيح  المصافحة بين الجنسين ولاتحرمها، فريق واحد فقط هو من يتشدد بهذا الحكم، وهو نفس التيار الذي يرفض موالاة اليهود والنصارى والغرب وينغلق على نفسه ويحرم التعاون معهم!

وعليه فإما أن يؤخذ الحكم كله أو يترك جله، أما فكرة اقتصار الأحكام على عدم مصافحة المرأة، بينما يكون مقبولا النظر والتبسم والنقاش مع امرأة أجنبية، ودوما الأمر من وجهة نظرهم ووفق مقاييسهم، بل حتى أن الشرع  يفرط في الابتسامات. الأدهى أن يقبل التعاون والمساعدات من "الكفار " وفق منطقهم أيضا وهو الأشد، فهو أمر يعبر عن التناقض والانتهازية والسطحية بصورة مزرية، هذا فيما يتعلق بالثقافة.

أما حين نتحدث عن السياسة، فمفهوم ان الشرع يمثل النظام الجديد الذي انقلب على نظام الأسد الحليف لإيران الذي عانى السوريون والعرب والمنطقة منه الأمرين، ونتفهم انحياز البعض له حد التعصب لهذا السبب-طبعا هذا دون اقحام رأي الإخوانجية بالأمر فالحديث هنا عن غير المؤدلجين- لكن دون أن يبرر ذلك ابتلاع أخطاء نظام الشرع والتبرير لهم ومعاداة من ينتقدهم وتخوينهم. فكما نتفهم تفاعلهم، من المهم أن يتفهموا أيضا تخوفاتنا وتخوفات كثر ممن كانوا ضد النظام  السوري الموالي لإيران فهذه تخوفات مشروعة لها مبرراتها؛ من الخلفية التي جاء منها الشرع وتصريحاته السابقة والطريقة والأحكام التي فرضها بإدلب لسنوات، وهي تخوفات لن يزيلها ارتداء  الشرع ورجالاته للبدلة الحديثة وخلع الجلبات أو تهذيب اللحية وارتداء ربطة العنق، طالما لم يتم التبرأ من تصريحاته السابقة، بل وحتى في لقاءاته التلفزيونية الأخيرة لم ُتطرح عليه أسئلة واضحة محددة حول تصريحاته المتطرفة السابقة وهل تراجع عنها مثلا! وبالمثل لم يبادر الرجل لنفيها والاستتابة عنها.

كما أن تسطيح النظرة لموضوع المصافحة وكانه أمر شكلي سطحي، هو تعبير عن السطحية والتجهيل لأن الأمر لايتعلق بالمصافحة بقدر ماهو عاكس ودال على منظومة أفكار تعبر عنها هذه الواقعة وهي بمجملها منظومة الأفكار  المفزعة التي نتمنى ألا نصل اليها.

كما أن ماعبرت عنه وزيرة الخارجية الألمانية من أن عدم المصافحة لم تقتصر على الشرع فقط، بل امتدت لكل من قابلتهم منذ هبوطها من الطائرة! وهذا يعني أن النظام كله بنفس الفكر والعقلية والمنظومة القيمية والخلفية والرؤية، فأين التنوع؟! الأمر لم يكن مجرد تعبير من الشرع عن معتقده الخاص ليحترم، بل هو توجه دولة وهو مايثير الفزع حول مستقبل سوريا الجديدة، ونكرر الأمر ليس موضوع مصافحة فكل الدول العربية والاسلامية لم نسمع فيها عن قيادات لاتصافح، إلا في نظام طالبان المنبوذ!.

اعتقد أن الجماعة في نظام سوريا الجديد كانوا يرغبون بتقديم رسالة طمأنه لمريديهم الذين فزعوا من البدلة وربطة العنق وتشذيب اللحية، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أن الأمر كان سيثير كل هذه الضجة اعلاميا، بل اعتقدوا أنه سيمر ببساطة، كواقعة المذيعات اللاتي طلب منهن ارتداء غطاء الرأس، فكان غطاء شكليا بحتا، وبالأخير ولا اللي هن غطين فنَفَذَ معتقده، ولا اللي هن رفضن وانتصرن لقيمهن، بل بقى كل شيء شكليا.

ومن هنا ربما ظنوا أن وزيرة خارجية المانيا ستتعامل بنفس المنطق وتعتبره مجرد خيار شخصي تحترمه دون أن يثير كل هذه الريبة عن أوضاع المرأة والحريات والتنوع.

 أعتقد لو كان حسبوا الأمر صح وبجدية لما اقدموا على هذه الخطوة،فإما امساك لسوريا بمعروف والقبول بأن ترأس دولة وتكون جزء من المجتمع الدولي، أو تسريح بإحسان فلايمكن أن تدار سوريا ويقبل العالم بعقلية طالبان وداعش والإمارة الإرهابية المنبوذة.

search